أيتها السيدات، أيها السادة،

في هذه اللحظات المميزة، التي اخترتموني فيها من بينكم للإشراف على تسيير مجلس الأمة، الواجب يقتضيني بداية تقديم الشكر لكل واحد وواحدة منكم على الثقة التي منحتموني إياها، لتقلّد هذه المسؤولية النبيلة ويفرض علي كذلك إلقاء بعض كلمات تستوجبها المناسبة... كلمات أسعى من خلالها تسجيل كبير إمتناني على التشريف الذي أسديتموه أياي... والذي أعتبره بالواقع تكليف أشعر تمامًا بوزنه وآمل أن أكون في مستواه...

... أما وقد منحتموني هذه الثقة، الواجب يحتّم علي أن ألتزم أمامكم بالمقابل ببذل الجهد المطلوب للارتقاء بها إلى المستوى المأمول...

* وأمامكم أود أن أتعهد كذلك بأن أعمل في أدائي كرئيس للهيئة أقول أعمل على تحقيق الإنصاف في التعامل بين كافة أعضاء الهيئة وكافة الأطياف السياسية على حد سواء...

وبقطع النظر عن اللون السياسي الذي يميز الواحد والآخر منكم، فإني سأحترم كافة الآراء في حدود ما يتماشى مع الصالح العام ويساير أهداف المؤسسة ويخدم البلاد ويرتقي بالممارسة البرلمانية إلى مستوى الطموح الذي نتقاسمه...

* وأود أن أؤكد لكم أيضا أني سأحرص على العمل وإياكم بما من شأنه تَيْسير الأداء ضمن الهيئة بالشفافية المطلوبة وبالنجاعة المأمولة... وبما يتماشى والقواعد والمبادئ المُكَرَّسة في القانون الأساسي والنظام الداخلي للهيئة.

* لكن... وقبل هذا وذلك أود خاصة أن أستغل المناسبة لأتقدم بالتهنئة لكافة الزميلات والزملاء الذين التحقوا بالهيئة على الثقة التي حظيوا بها، إما من نظرائهم على مستوى دوائرهم الانتخابية أو من قبل فخامة رئيس الجمهورية، فكان لهم شرف التعيين ضمن الثلث الرئاسي في الهيئة أو تجديد الثقة فيهم لمواصلة المهمة.

* ولن يفوتني في هذه السانحة، أن أتوجه بالشكر والعرفان والتنويه بجهود كافة الزميلات والزملاء المنتهية عهدتهم وأن أقول لهم أن الهيئة سوف تبقى مدينة لهم على كافة إسهاماتهم في تعزيز الصرح التشريعي للبلاد خلال الفترة.

* بودي أن أقول لكم، زميلاتي زملائي، وقد أصبحتم أعضاء في هذه الهيئة الدستورية الهامة :

* أنكم من الآن دخلتم مرحلة جديدة وهامة في حياتكم العامة، وتشاء الظروف أن يأتي هذا الانتماء متزامنًا مع فترة تعرف البلاد فيها مستجدات جد هامة يأتي الدستور في مقدمتها... الدستور الذي يأتي بمؤشرات تنبؤ بتقديم قوانين عديدة تترجم مضمونه... وتستكمل مسلسل قوانين الإصلاحات السياسية التي اعتمدها السيد رئيس الجمهورية وتلك التي تترجم مضمون برنامجه الانتخابي، مضافًا لها القوانين العادية التي يستوجبها التسيير العادي لعمل الحكومة والتي ستبرمج بدورها للدورات القادمة... بل للسنوات القادمة...

أيتها السيدات، أيها السادة،

* لقد جئتم من ولايات مختلفة وجئتم تمثلون ألوانًا سياسية متنوعة... جئتم تحملون تجربة ثمينة ورسالة نبيلة لخدمة الوطن. رسالة حمَّلكم إياها منتخبوكم في دوائركم الانتخابية لتزويد البلاد بقوانين قادرة على إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة. وهنا أقول لكم... (ودون دعوتكم للتجرد من ألوانكم السياسية) أقول حاولوا أن تجتهدوا لإيجاد القواسم المشتركة التي في نطاقها يمكنكم العمل مع نظرائكم ضمن الهيئة التي أصبحتم تنتمون إليها... لإصدار قوانين جيدة تعالج مشاكل البلاد.

أيتها السيدات، أيها السادة،

* وأنتم في بداية عهدتكم أقول لكم أنكم في تأدية المهمة الجديدة أنتم مطالبون بمراعاة بعض قواعد العمل الأولية.

- فأنتم لا تعملون لأنفسكم وأنتم مطالبون بالعمل في تناغم وتكامل ضمن المؤسسة التي أصبحتم تنتمون إليها ومع المؤسسات الأخرى النظيرة، من أجل الإسهام في إصدار تشريع نوعي، من شأنه تلبية تطلعات المجتمع... وأنتم مطالبون أيضا بدعم النسق القانوني الرامي إلى تعزيز ركائز دولة الحق والقانون، وتمتين دعائم الدولة الحديثة المحافظة على ثوابتها الوطنية والمتفتحة على العالم...

أيتها السيدات، أيها السادة،

ما يبرز من هذه الانتخابات ولاحظه كل واحد منكم ولا شك أن المعارضة في الانتخابات الأخيرة قد حافظت على مكانتها. وإننا بالمناسبة نقول أننا مرتاحون لتواجد الرأي المخالف ضمن الهيئة... وكل ما نتمناه هو أن تساهم هذه المعارضة في إعطاء الإضافة النوعية للممارسة الديمقراطية ضمن هيئتنا وتثري الأداء البرلماني والتشريعي فيها.

أخواتي، إخواني،

* أنتم مطالبون، "دون الانسلاخ" من ألوانكم السياسية، أقول مطالبون بمراعاة مصلحة الهيئة والأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للبلاد...

* الأمر الذي يجب أن أذكِّر به الجميع في هذه المناسبة هو أن حجم أدائنا التشريعي مستقبلاً سيزداد، وصلاحياتنا التشريعية سوف تتوسع وفقًا للأحكام الجديدة التي سيأتي بها الدستور الجديد، وهذا يحتم بالطبع علينا الاستعداد من الآن لنكون في مستوى المسؤولية، وأن نعمل بالتنسيق مع مؤسسات الجمهورية الأخرى وخاصة التشريعية منها... لأن المهمة ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة.

أيتها السيدات، أيها السادة،

* انتخابكم يأتي متزامنا مع ظرف خاص ومرحلة جد صعبة اقتصاديًا كما أسلفت الذكر، الأمر الذي يجعل دوركم ضمن الهيئة جد هام وجد صعب في نفس الوقت. فأنتم مطالبون بمراعاة انشغالات المواطن والتجاوب معها، ولكنكم مطالبون أيضًا بمراعاة الوضعية الخاصة بالبلاد في ظل الأوضاع الاقتصادية الدولية الضاغطة، من خلال اقتراح صيغ حلول للمشاكل المطروحة لتجنيب البلاد تبعات صدماتها الموجعة...

أيتها السيدات، أيها السادة،

الأمر الذي يجب أن نذكّر بعضنا البعض به هو أن مشروع المراجعة الدستورية وبالصيغة التي ستعرض علينا يأتي في الواقع تتويجًا لمسار طويل من المشاورات مع الفاعلين السياسيين والخبراء بمبادرة وإشراف فخامة رئيس الجمهورية... وهو يحمل في طياته مميزات التغيير المرحلي والإرادة المعبّر عنها من قبل الأغلبية في الوصول بالجزائر تحت قيادة فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى أحسن ما تسعى الدول الأخرى إلى بلوغه عبر تحقيق مساحات أوسع في ميدان الحريات الفردية والجماعية...

أيتها السيدات، أيها السادة،

بودي وأنا أخاطبكم، أن أقول لكم...

* خلال مسيرتي البرلمانية، وعبر التجربة المكتسبة، أدركت أمرًا مهمًا يكاد يكون حجر الزاوية في ممارسة العمل البرلماني... ومفاده أن الحقيقة ليست احتكارًا لشخص بعينه...

... في هذه القاعة كل واحد منّا يحمل حقيقته، ولكن التحاور بذكاء مقرونًا بفضائل التسامح هي الفضيلة التي تُحوّل الحقائق الفردية إلى مسعى جماعي يعود بالفائدة على المجموعة...

* والحقيقة الأخرى هي أن مجلس الأمة يُعتبر فضاءً واسعًا للحكمة ومكانا مفضلا للحوار والنقاش الهادئ... مجلس الأمة هو في الواقع مدرسة كبيرة وفضاءً للممارسة السياسية والديمقراطية.

وهذه المواصفات هي التي تدفعنا إلى الاعتزاز بالانتماء إليه وتدعونا لنكون سدًا منيعًا يقف في وجه كافة الشروخات والانزلاقات المحتملة...

* وفي الخلاصة أقول أن هذه الدار الكبيرة (دار مجلس الأمة) هي دار الحكمة والرصانة فلنستفد منها ولنعطيها من رصيد تجربتنا المكتسبة ما يمكِّنها من الارتقاء إلى المستويات العليا...

ولنكن جديرين بالشرف الذي نلناه من الجهات التي فوضتنا بتمثيلها في هذا الصرح الدستوري الهام...

أيتها السيدات، أيها السادة،

أعلم أن هناك من يعتقد وهو يستمع إلي يعتقد أن في كلمتي (ما يحمل معاني) مقدم الدروس... والواقع هو غير ذلك تمامًا.

فأنا واحد منكم، خاطبتكم بقلب مفتوح... حدثتكم من منطلق تجربتي الشخصية ضمن هذه الدار... وفي البرلمان بصفة عامة...

أخذت حريتي في مخاطبتكم لأن عددًا كبيرًا من بينكم يخوض التجربة البرلمانية لأول مرة... فأرجو أن تحملوا كلامي على هذا الأساس لا غير...

* في الأخير بودي أن أجدد شكري لكم، زميلاتي زملائي، على الثقة التي منحتموني إياها وأطلب منكم كذلك مَدِّي بيد المساعدة من أجل تأدية هذه المهمة النبيلة والثقيلة (بنفس الوقت) التي أسندتموها لي بما يخدم هيئنا ويمكن بلادنا من أن ترتقي إلى مستويات أفضل ولكي تكون باستمرار بلدًا آمنًا مستقرًا ينعم بالخير والرفاه...

لن أنهي كلامي دون أن أتوجه إلى زملائي رئيس المجلس المؤقت العضو الأكبر سنًا وزميله الأصغر سنًا، اللذين باقتدار سيّرا الجلسة الخاصة بانتخابي كرئيس للهيئة فلهما الشكر والتقدير والعرفان... وفي الأخير أختتم كلامي بالقول :

"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

عودة

diplomatie
culture
porte ouverte