- السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني،

- السيد الوزير الأول،

- السيد وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي،

- السيدات والسادة أعضاء الحكومة،

- السيدات والسادة أعضاء مكتب المجلس الشعبي الوطني،

- السيد الرئيس الأول للمحكمة العليا،

- السيدة رئيسة مجلس الدولة،

- أسرة الصحافة والإعلام،

- السيدات والسادة الضيوف،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

زميلاتي، زملائي،

بودي في البداية أن أرحب باسمكم بكافة الضيوف الذين شرفونا بالحضور في هذه المناسبة الدستورية الهامة... مناسبة الاحتفاء باختتام الدورة الخريفية العادية لسنة 2015 في مجلس الأمة، والتي تتم على وقع أحداث وطنية بارزة ومستجدات عرفتها هيئتنا.

زميلاتي، زملائي،

كما تعلمون فإن أهم حدث وطني ميز هذه الدورة كان قرار فخامة رئيس الجمهورية إحالة مشروع تعديل الدستور على البرلمان بغرفتيه، دستور أتى بعد مشاورات واسعة دامت لفترة ليست بالقصيرة، وعرف محطات حوار عديدة مكنت السيد رئيس الجمهورية من تضمين العديد من مقترحاتها في الوثيقة المقترحة...

هكذا وبإقدامه على طرح مشروع الدستور على المراجعة يكون السيد رئيس الجمهورية قد جسد وتوج إصلاحاته عمليًا بإصدار الدستور... ويكون بهذا الموقف قد بيّن للقريب والبعيد أنه لم يقل كلامًا لتبقى أصداءَهُ في السماء بل هو حقق إنجازًا وجد ترجمته في تلك الوثيقة المرجع التي ستقدم إلى البرلمان والتي أتت بالواقع بعد عمل دؤوب استمر طيلة الفترة الماضية، عمل السيد الرئيس خلالها بصبر وتصميم ومثابرة إلى أن بلغ الهدف، هدف إتمام المراجعة الدستورية، وأدخل بذلك الجزائر في عهد جديد... عهد كانت تنتظره الأغلبية من الجزائريين، عهد يقوم على قواعد بناء أو بالأحرى استكمال بناء الدولة الحديثة الذي سيتيح المجال فيه أمام السلطات العمومية لتدشين ورشات سياسية وقانونية عديدة أين سنكون نحن أعضاء مجلس الأمة مدعوون إلى الإسهام في دراستها وتحديد الموقف منها...

- وهكذا سنكون، زميلاتي زملائي، خلال هذه الدورة والدورات القادمة مطالبين بدراسة وتحديد الموقف من مشاريع قوانين عضوية وعادية حساسة عديدة... بقصد تكييفها مع المبادئ والأحكام الدستورية المستحدثة التي ستحملها الوثيقة القانونية السامية للبلاد.

- ونحن في ذلك مطالبون بدراستها وإثرائها بما يتلائم وطموحات الشعب ويتناغم مع عملية التجديد والإصلاح التي انتهجتها البلاد تحت قيادة السيد الرئيس بحكمة ورزانة، إصلاحات حققها بعيدًا عن كل مغامرة غير محسوبة العواقب كان من شأنها أن تفضي إلى الفوضى أو الانحراف المفكِّك للوحدة الوطنية وانسجام المجتمع الجزائري لو هي اِتبعت.

 

سيداتي، سادتي،

أما الحدث الثاني الذي ميز هذه الدورة، فهو انتخابات التجديد النصفي لتركيبة مجلس الأمة، وهو التجديد الذي شكل محطة جديدة في حياة الهيئة في إطار مواصلتها لمهمتها التشريعية والرقابية.

أيتها السيدات، أيها السادة،

الآن، وقد تم تنصيب أعضاء مجلس الأمة بتشكيلتهم الجديدة، وتم اعتماد هياكله ؛ بودي أن أعرب عن كبير سعادتي بهذه المناسبة وأن أتقدم مرة أخرى بتهانيّ الخالصة للزميلات والزملاء الجدد الذين شرفهم نظراؤهم على مستوى دوائرهم الانتخابية بمنحهم ثقتهم لتمثيلهم في هذه الهيئة الدستورية الحساسة...

ونفس التهاني موصولة للزميلات والزملاء الذين اختارهم السيد رئيس الجمهورية وعينهم ضمن تشكيلة المجلس.

ولن أنهي كلامي في هذا المجال دون تهنئة الزملاء الذين حازوا على ثقة نظرائهم لتقلد مسؤولية المشاركة في تسيير المجلس ضمن مكتبه ولجانه الدائمة.

- الشكر، كل الشكر، أخص به رؤساء المجموعات البرلمانية الذين عملوا إلى جانبي خلال المدة الأخيرة وساعدوني على التوصل إلى الاتفاق حول توزيع مناصب المسؤولية ضمن هياكل المجلس وتوزيع كل واحد منكم ضمن واحدة من لجان الهيئة.

 

سيداتي، سادتي،

كما جرت العادة في نهاية كل دورة، سأغتنم السانحة لأعرض أمامكم حصيلة الجهد الذي بذله المجلس وساهمت في تقديمه الهيئة ضمن الصلاحيات المخولة لها في مجال التشريع وفي إطار العمل البرلماني، ذلك أن تزويد البلاد بتشريع منسجم لتنظيم ومراقبة مختلف جوانب الحياة في كل الميادين، يقتضي عملا مؤسساتيا وإطارا واسعا من التشاور والتنسيق والحوار قصد تجسيد تطلعات وآمال الجزائريات والجزائريين. وهذا ما عمل في إطاره الجميع خلال الدورة...

وهكذا فقد درس المجلس وصادق على عدد من النصوص القانونية التي وإن كانت متواضعة عدديًا إلا أنها كانت في مضمونها جد هامة...

- ويتعلق الأمر هنا بقانون المالية التكميلي لسنة 2015 الذي جاء لتحسين إيرادات الخزينة العمومية، من خلال اعتماد تدابير تمكن من اعتماد تسيير رشيد لموارد الدولة العامة...

- وفي نفس السياق، ناقش أعضاء المجلس وصادقوا على قانون المالية لسنة 2016 الذي جاء في ظل ظرف اقتصادي وطني ودولي تميز بانخفاض كبير في الأسعار الذي عرفته سوق النفط، مما يستلزم تسييرا حذرا وعقلانيا لموارد الدولة.

- من جهة أخرى، صادق مجلس الأمة على قانون العقوبات المعدل والمتمم والمتعلق بحماية المرأة من كل أشكال التعنيف والتهديد والتحرش، وهو النص الذي استقطب نقاشًا واسعًا داخل وخارج الهيئة، بل أقول حتى خارج الوطن، وحُمّل قراءات وتأويلات مختلفة...

- في هذا السياق، بودي اليوم أن أؤكد أن مجلس الأمة لم يسعى إطلاقا إلى تعطيل النص المذكور كما أنه لم يرضخ لأي ضغط من أي طرف كان، بل هو  أخذ  من الوقت ما يكفيه لإبداء الرأي وتحديد الموقف والاستماع إلى مختلف الآراء والطروحات قبل اتخاذ القرار...

وإنها لسانحة أغتنمها لأرد من على هذا المنبر على الذين أعطوا أحكامًا وتعاليق غير مؤسسة عن طريقة عمل هيئتنا وأقول أن مجلس الأمة لم يمارس يومًا سلطته الدستورية في التشريع تحت الطلب أو الضغط من أي جهة كانت.

 

سيداتي، سادتي،

ودائما في قطاع العدالة، درس المجلس وصادق على مشروع القانون المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، المعدل والمتمم، والذي جاء في سياق استكمال إصلاح العدالة وحماية حقوق الإنسان لاسيما ما تعلق منها بضمانات حماية حقوق المتهم وكذا حماية مسيري المؤسسات العمومية.

من جهة أخرى، صادق مجلس الأمة على نص القانون المعدل والمتمم للأمر المتعلق بالقانون التجاري الذي اقتضته طبيعة التطور الذي يعرفه عالم الأعمال والشركات ببلادنا والذي يهدف إلى تسهيل إنشاء الشركات التجارية.

فيما يخص قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، صادق مجلس الأمة على مشروع القانون التوجيهي حول البحث العلمي والتطوير التكنولوجي الذي سيوفر للجامعة الجزائرية الإطار القانوني الذي يمكن من ترقية البحث العلمي ويعطيه مكانته الحقيقية كباعث لكل تطور وتقدم في المجتمع

سيداتي ، سادتي،

عرفت الدورة كالعادة نشاطًا رقابيًا مألوفًا، حيث نظم المجلس لهذه الغاية عدة جلسات لطرح الأسئلة الشفوية، وتوجيه عددا من الأسئلة الكتابية خاصة ببعض القطاعات الوزارية.

- وبالنسبة لتواصل المجلس وتفاعله مع محيطه، عرف المقر - في إطار الأبواب المفتوحة - زيارات لوفود من أبنائنا التلاميذ تعرفوا من خلالها على مجلس الأمة معلما ومؤسسة، وهو التقليد الذي دأب عليه المجلس منذ إنشائه.

وفي مجال الدبلوماسية البرلمانية، عمل المجلس بالتنسيق مع الهيئات الرسمية المعنية، لاسيما المجلس الشعبي الوطني، على التعريف بمواقف الدولة الجزائرية بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية سواء من خلال الحضور في المنابر البرلمانية الدولية والجهوية أو لدى استقباله للوفود البرلمانية الشقيقة والصديقة.

زميلاتي، زملائي،

بالنسبة للمستقبل، مستقبل عمل الهيئة بودي القول أننا دخلنا الآن مرحلة جديدة بل حاسمة في حياة المجلس والبرلمان ككل... سواء من حيث الصلاحيات أو من حيث طبيعة العلاقة مع المؤسسات الدستورية الأخرى...

وفي إطار العمل الداخلي لبيتنا، بيت مجلس الأمة، سنعمل بالتعاون مع مختلف العائلات السياسية الممثلة بالهيئة بما من شأنه أن يرتقي بالأداء التشريعي والبرلماني ويحقق النجاعة في العمل ضمن نطاقها.

- بودي أن أؤكد في هذه المناسبة، أن الهيئة سوف توفر أجواء حرية التعبير وتحترم التمثيل السياسي على اختلاف ألوانه، وذلك بقطع النظر عن وزنه العددي.

وسوف نمكن المعارضة من القيام بدورها وفقًا للأحكام التي جاءت بها الوثيقة السامية للبلاد.

- سوف نحرص أيضا على العمل مع الهيئات الدستورية للبلاد ونكثف الجهود مع المجلس الشعبي الوطني ونعطي النجاعة اللازمة للتنسيق البرلماني مع الحكومة من خلال تكثيف وتنظيم العمل التشاوري ما بين الغرفتين وما بينهما وبين الحكومة.

- في مجال الأداء البرلماني ضمن الهيئة سوف نفعِّل الدور الرقابي للمجلس على عمل الحكومة ونعمل على توفير مستلزمات القيام بالنشاطات الفكرية والثقافية والأبواب المفتوحة.

- وأنا أتكلم عن التنسيق مع المجلس الشعبي الوطني لن يفوتني التنويه بالعلاقة التي باستمرار نسجناها مع هذه الهيئة ومع مسيريها. ونشكر لهم تجاوبهم وإيانا في كافة القضايا التي كانت تطرح علينا... التنويه والشكر ذاته نخص به الهيئة التنفيذية على تجاوبها المستمر مع مجلسنا...

ولكن ما نطمح إليه مستقبلاً هو بالطبع تحسين طرق هذا التنسيق وجعله أكثر نجاعة.

- تلكم هي بعض الأفكار التي يقوم عليها تفكيرنا في كيفية بناء مستقبل أدائنا البرلماني وتدعونا إلى التأكيد على ضرورة مواصلة العمل في الاتجاه الرامي إلى ترسيخ قواعد نظام برلماني حديث ومتفتح، نظام يتسم بالنجاعة في العمل ويضمن حرية التعبير ويحرص على تعزيز سنّة التشاور والتنسيق مع الهيئات والمؤسسات الدستورية الأخرى للدولة.

أيتها السيدات، أيها السادة،

جرت العادة في مثل هذه المناسبة أن أسمح لنفسي (بعد أخذ إذنكم) بالتعليق على بعض ما يجري في بلادنا والعالم وهو التقليد الذي أود تكريسه ضمن هيئتنا لما أرى فيه من فائدة باعتبار هيئتنا منبرًا للرأي وفضاء للحوار وإطارًا لتقديم الرأي وسماع الرأي المخالف.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

- يمر الاقتصاد العالمي كما تعلمون بمرحلة جد حرجة، وهذه حقيقة، لكن هذا الأمر لا يعد بالأمر الجديد...

- ما يقال عن الأزمة الاقتصادية يقال أيضا عن تراجع الأسعار في السوق العالمية للنفط وهذا الأمر يعد أيضا حقيقة.

لكن الحقيقة الأخرى التي يجب التذكير بها هي أن بلادنا سبق لها أن عرفت أوضاعًا صعبة مماثلة، وهي تمكنت من اجتيازها... لذا فإننا نعتقد اليوم أننا كما تجاوزنا بالماضي تلك الأوضاع فبمقدورنا اليوم أن نواجهها ونتغلب عليها. خاصة أن الإمكانات التي تزخر بها الجزائر والخبرة المتوفرة لدى أبنائها وإطاراتها والوعي الكبير الذي يتسلح به شعبها... كلها عوامل من شأنها أن تُمكّن البلاد (ولا شك) من تجاوزها.

إننا منطلقين من هذه النظرة وهذا الفهم للأوضاع لواقعنا الداخلي وللواقع الدولي، فإننا نعتقد أن النهج الذي تتبعه الحكومة الآن والحرص الذي تُبديه من أجل التكفل بأولويات حاجيات المواطن، مضافًا لها الكيفية التي تواجه بها المشاكل وتجد حلولها لهي كلها عوامل تؤكد أن الأوضاع في الجزائر تسير في الاتجاه الصحيح... ومما يدعم هذا التوجه خارجيًا هو أن مواقف العديد من الدول ذات الوزن والتي تتعامل معها الجزائر اقتصاديًا وماليًا وكذا تصريحات المؤسسات المالية الدولية عن واقعنا الاقتصادي لهي كلها مواقف تترجم التوجه العام الخارجي تجاه بلدنا وهو التوجه الذي يبرر من وجهة نظرنا بقاء التعامل مع الجزائر عاديًا وثقتهم في الجزائر وفي واقعها الاقتصادي ثابتًا...

- ما يؤكد هذا الواقع على الصعيد الداخلي هو أنه وعلى الرغم من التراجع المستمر لأسعار النفط، فإن المشاريع الكبرى متواصلة والتحويلات الاجتماعية لفائدة الشرائح الاجتماعية العريضة من الجزائريين لم تُلْغَى ولم تَتَعطل وتيرتها.

- فهذه هي الحقيقة القائمة في الجزائر وليس ثمة حقيقة أخرى غيرها سوى خطاب التهويل والتخويف الذي نسمعه في بعض الخطابات غير المسؤولة التي تصدر عن بعض الأسماء وبعض الجهات المعروف توجهها...

- في باب آخر لاحظنا ولاحظتم ولا شك في الأيام الأخيرة أن تراشقًا كلاميًا كبيرًا قد عَمَّ الساحة الوطنية حول السرد التاريخي لبعض الوقائع والذي لا يعدو في الحقيقة أن يكون سوى فتح جرح عميق كنا نعتقد أنه قد اندمل.

وإذا كنا نحرص على عدم الخوض في الدواعي والخلفيات والنوايا... (لأننا نعتبر أنه من حق الجميع إبداء الرأي وتقديم الشهادة على الوقائع التاريخية والأحداث الهامة في مسار الدولة) إلا أننا في الوقت نفسه نرى أن الحكمة في مثل هذه الحالة تقتضي (خاصة في هذه المرحلة تحديدًا)، نقول تقتضي التحلي بواجب التحفظ.

- وإننا منطلقين من هذا الفهم للأمور، نعتبر أن الحقائق التاريخية لا يمكن أن تُتخذ ذريعة للتضخيم أو التقليل من دور أي كان في مرحلة من مراحل التاريخ، لأن هذه الحقائق لا يمكن أن تَطمسها تصريحاتٌ وتحاليل ليست مؤكدة صحتها، فهي – أي الحقائق - إن عاجلاً أو آجلاً ستخضع لمقاربات ومقارنات من شأنها أن تضع الأحكام والآراء الذاتية في ميزان الغربلة والتدقيق وصولاً إلى إقرار الحقائق البعيدة عن نزعة الأنا.. والخالية من روح النرجسية المَعِيبة.

- إن الإدلاء بشهادات تاريخية من قبل صانعيها لهو عمل محمود.

أما أن تتحول تلك الشهادات (إلى مزايدات وتصفية حسابات وتراشقات)، بعضها لا يَنْجُو منها حتى الأموات، فذلك (حسب رأينا) أمرًا مرفوضًا، باعتباره شهادات تبعث على الالتباس بين الصياغة الشاذة لأصحابها والتاريخ الصحيح بوصفه حقائق مستقرة عن الماضي.

أيتها السيدات، أيها السادة،

اليوم نحن نختتم دورة الخريف العادية وغدًا يتم الانطلاق في التحضير لدورة البرلمان بغرفتيه المجتمعتين معًا... وهذه الحركية في العمل السياسي إن دلت على شيء فإنما تدل مدى الحيوية التي تعرفها البلاد تحت قيادة فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وهي تبرهن كل يوم على أن الجزائر اختارت السير للأمام ولن يوقفها في مسيرتها أحد، وهي ستواصل سيرها بقطع النظر عن ما يقوله هؤلاء أو يدعيه أولئك...

شكرًا على كرم الإصغاء،

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

عودة

diplomatie
culture
porte ouverte