كلمة السيد عزوز ناصري، رئيس مجلس الأمة خلال المؤتمر السنوي لرؤساء البرلمانات الافريقية، تلاها نيابة عنه السيد محمد عمرون عضو مجلس الأمة، عضو البرلمان الإفريقي
30 سبتمبر 2025
يشرفني أن أتواجد اليوم على أرض جمهورية جنوب إفريقيا الصديقة، للمشاركة في المؤتمر السنوي لرؤساء البرلمانات الإفريقية، والذي دأب البرلمان الإفريقي على تنظيمه، من أجل تباحث الراهن الإفريقي وسبل مواجهة تحدياته المتنامية، وتسريع وتيرة التغيير نحو الاستقرار والأمن والتنمية..
أبلغ جميع المشاركين في هذا المؤتمر تحيات السيد عزوز ناصري، رئيس مجلس الأمة الجزائري، وبالخصوص إلى رئيسي غرفتي برلمان جمهورية جنوب إفريقيا، وقد كلفني بإلقاء كلمته نيابة عنه هذا نصها.
"السيد تشيف فورتين شارمبيرا، رئيس البرلمان الإفريقي،
السيدات والسادة رؤساء البرلمانات الإفريقية،
السيدات والسادة أعضاء البرلمانات الإفريقية،
السيد ممثل الاتحاد الإفريقي،
السيدة الأمينة العامة للبرلمان الإفريقي،
الحضور الكريم،
السلام عليكم
إنه لمن دواعي السرور أن أكون حاضرا اليوم عبر هذه الكلمة، في هذا المحفل البرلماني الإفريقي الرفيع، الجامع لممثلي شعوب القارة، من أجل توحيد المواقف، وتكريس التشاور والتضامن وترقية التعاون الفعلي فيما بيننا، استجابة لتطلعات شعوبنا وخدمة مصالح أوطاننا، ومرافقة الزخم الإفريقي السائر بعزم وثقة نحو واقع أرقى ومكانة أكثر إنصافا للقارة المظلومة..
تحية تقدير لجمهورية جنوب إفريقيا، الصديق التاريخي لبلادي، الوفي لقيم السلم والحرية والمساواة، والمناهض الشرس للاستعمار والعنصرية واستعباد الشعوب.. فلا غرابة أن تحتضن ربوعه مقر البرلمان الإفريقي الصادح بأصوات الشعوب الإفريقية على تنوع أعراقها، والمتطلعة إلى تكريس الحقوق وترسيخ الاستقرار وتعزيز الممارسة الديمقراطية واستكمال مسار التكامل الاقتصادي القاري الذي نعول عليه جميعا، لإنقاذ القارة من الأزمات التي أنهكتها، والتفرغ لحشد إمكانياتها الهائلة نحو مزيد من جهود التنمية.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
إن تحديد موضوع "تحفيز التكامل القاري بمشاركة المواطنين، والتنمية المستدامة والازدهار والسلام وتعزيز الدور الديناميكي لإفريقيا على الساحة العالمية" لمؤتمرنا السنوي للعام 2025 هو اختيار موفق يتماشى والديناميكية العالية التي تنتهجها الدول الإفريقية ومن بينها الجزائر، تحت لواء الاتحاد الإفريقي، من أجل استكمال مسار التكامل بكل الوسائل الممكنة، وتسريع تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية، باعتبارها من أهم آليات التعاون الإفريقي -الإفريقي، والإطار المؤسسي الأمثل لتعزيز التجارة البينية، وكذا، مواجهة التحديات التي تعرقل تجميع الثروات الإفريقية في أيدي الأفارقة، وتتيح لهم خلق قوة اقتصادية جديدة تعيد التوازن إلى ميزان التجارة العالمية المائل بإجحاف منذ عقود من الزمن، فقد حان الوقت لذلك...
في الجزائر ندرك تماما أن الوقت قد حان لنهضة إفريقيا، وتجريدها نهائيا من الصورة النمطية التي عملت القوى الاستعمارية على ترسيخها في أذهان المجتمع الدولي، من اجل ابقائها دوماً وأبدا تحت التوجيه والوصاية.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
لقد كرس الدستور الجديد المصادق عليه في الفاتح نوفمبر 2020 تمسك الجزائر بعمقها الإفريقي وفق مقاربة السلم والأمن والتنمية، ولم تنفصل عملية التغيير والإصلاح الوطني الشامل الذي بادر به رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في كافة المجالات، عن البعد القاري الذي لازم الجزائر منذ ثورتها التحريرية المجيدة عام 1954 ...إفريقيا محور استراتيجي مستدام يتواجد بالخط العريض في كافة السياسات والخطط التنموية الوطنية ... بدء من مساندة حركات التحرر الإفريقية من أجل نيل الاستقلال، ودعم مسارات تحرير الشعوب الإفريقية من العبودية والاستغلال والتفقير الممنهج ، وصولا إلى مرافقة جهود الأفارقة من أجل استعادة السيادة الكاملة على الثروة والقرار، ومن أجل ازدهار القارة عبر تحقيق تنمية مستدامة وفقا لأجندة إفريقيا التنموية لعام 2063 .
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
يشهد العالم تحولات متسارعة وانحرافات خطيرة، وارتباك أمني واقتصادي يهدد قوت الشعوب، ويرهن مستقبل الأجيال القادمة إذا لم نحسن التصرف تجاه ما يفرضه علينا هذا الواقع المضطرب من تحديات جسيمة.
في الجزائر نحسب أننا نحسن التصرف، من خلال حزمة إصلاحات عميقة قفزت بمؤشرات التنمية إلى منحى تصاعدي يتواصل منذ ست سنوات، ومن خلال خارطة طريق هدفها إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، واستحداث نموذج جديد يضمن الانتقال السلس من اقتصاد النفط، إلى اقتصاد المعرفة والابتكار ورأسمال الكفاءة. بالإضافة إلى تنويع متدرج لمصادر الدخل الوطني عبر تعزيز الإنتاجية في الفلاحة والصناعة والخدمات والمؤسسات الناشئة، والالتزام بتحقيق انتقال طاقوي كامل بحلول عام 2035، وكذا، تبني سياسة استثمارية جديدة يؤطرها قانون استثمار يوفر ضمانات غزيرة وبيئة قانونية مستقرة... كل ذلك وفق رؤية وبرنامج رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
بين هذه الأهداف الكبرى بمشاريعها الضخمة وأغلفتها المالية المسخرة، يبزغ التكامل الاقتصادي الإفريقي كآلية وطنية وقارية مشتركة للتنمية والتضامن والازدهار للجزائر وللدول الإفريقية معا.. فكل ازدهار لبلادي هو لبنة لازدهار إفريقيا، والجزائر التي رافقت التحرر الإفريقي من الاستعمار ستبقى مرافقا وفيا للقارة في مسارها نحو التحرر من التبعية السياسية والاقتصادية ومن براثن الاستعمار الجديد القائم على مقايضة الاستقرار بالموارد.
من أجل هذا، أطلقت الجزائر مشاريع قارية كبرى في قطاعات حيوية عديدة، من أجل تسريع وتيرة الاندماج القاري والمساهمة في إقامة بنية تحتية متكاملة... التنمية في إفريقيا تباطأت كثيرا، وكل الظروف مواتية اليوم للاستدراك واستغلال الفرص القابعة في ركام الفوضى التي يعيشها العالم.
وفي هذا السياق، وكما تعلمون، نظمت الجزائر برعاية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، بنجاح ملفت وبمشاركة 140 دولة، وتحولت بلادي طيلة أسبوع إلى نموذج مصغر للاندماج الإفريقي المنشود، فقد رسم المعرض صورة معبرة عن الأثر الاقتصادي المباشر للتكامل والشراكة، وقدم عينة عن المردود السياسي والاقتصادي والثقافي الذي ينشأ حين تعود إفريقيا للأفارقة، وأكد بذلك حتمية التعامل الإفريقي البيني كخيار استراتيجي لا بديل عنه.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
تسعى بلادي بحرص خاص من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، لتمكين إفريقيا من السيادة الكاملة بكل أنواعها، وتبويئها المكانة التي تستحقها ضمن النظام العالمي الجديد الذي ترافع الدبلوماسية الجزائرية من أجله في كل المنابر.. رفع الظلم عن إفريقيا شكًل ولا يزال، هاجسا لدبلوماسيتنا في مجلس الأمن الدولي، وخاضت من أجله ولا تزال، بمعية الدول الإفريقية والعديد من دول العالم الصديقة، معارك دبلوماسية من أجل أن يكون للقارة تمثيل دائم في هذه الهيئة الأممية... تبقى جهودنا كبرلمانيين مطلوبة لتكريس هذا المسعى وتسريع تجسيده فعليا، حتى تمسك إفريقيا بزمام قضاياها وتساهم بمخزونها الإنساني في صناعة القرارات الدولية المنصفة.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
إننا ونحن نطالب بحقوق الشعوب الإفريقية المهضومة من طرف نظام دولي جائر، لا يجب أن نغفل عن واجباتنا كبرلمانيين تجاه هذه القارة، وعلى رأسها العمل على تطهيرها من الاستعمار الذي لا يزال يعيث فسادا واستبدادا في أرض إفريقية، ولا يتم ذلك إلا عبر تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير والاستقلال وفق قرارات الشرعية الدولية، بالإضافة إلى تعزيز المنظومة الإفريقية لمكافحة الإرهاب الذي ينخر الساحل، وتخليص القارة من الصراعات، ومن النزعة المقيتة لافتعال الأزمات وكيل الاتهامات من أجل تحقيق أمجاد شخصية وخدمة مصالح المستعمرين الجدد.
إفريقيا واحدة، ولا يجتمع السلام والاستعمار في مكان واحد... كما لا تستقيم شروط التنمية المستدامة في بيئة احتلال..
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
في بيئة احتلال أخرى، لا يزال الشعب الفلسطيني الصامد يتجرع المأساة في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تزال الإبادة الجماعية تحصد الأرواح بكل الوسائل الإجرامية الصهيونية، ولا تزال المنظمات الدولية الحامية عاجزة عن الحماية. عزاءنا أن النفق في نهايته بحكم دروس التاريخ، وأول الغيث موجة الاعتراف الدولي بفلسطين والترحيب المتنامي بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية وفق حل الدولتين.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
نثمن جهود البرلمانيين الأفارقة ومستوى التعاون والتنسيق الذي يجمعنا في البرلمان الإفريقي وفي الاتحاد البرلماني الإفريقي، وفي منابر برلمانية أخرى على غرار المجموعة الجيوسياسية الإفريقية في الاتحاد البرلماني الدولي، أين يشكل البرلمانيون بمستوى تنسيقهم ومواقفهم المشتركة نموذجا لإفريقيا المتضامنة.. الدبلوماسية البرلمانية فاعل أساسي في حل النزاعات ونشر السلام وثقافة الحوار والمصالحة الوطنية، وتكريس المساواة والممارسة الديمقراطية. كما أن إرث القارة من عذابات العبودية والاستعمار والإقصاء والهيمنة والعنصرية، وكفاح أبنائها المرير من أجل الحريات ومن أجل الحفاظ على الهوية الثقافية الإفريقية الأصيلة، يجب أن يكون دافعا قويا لتجنيب الشعوب الإفريقية تكرار هذا المصير.
إنها فرصة إفريقيا التي تعمل بلادي على اقتناصها وفاء لمبادئها التاريخية ولامتدادها الإفريقي العريق: الجزائر الجديدة في إفريقيا جديدة ضمن نظام دولي جديد، والجزائر المنتصرة في إفريقيا منتصرة على كل التحديات.
شكرا لكم