السيد جرار لارشي، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي،
- السيدات والسادة رؤساء الوفود المحترمين،
- السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بداية أتوجه باسمي الخاص وباسم الوفد المرافق لي، بجزيل الشكر لمنظمي هذا الاجتماع على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.
ولا يفوتني أن أنوه بالتنظيم الجيد والتأطير المحكم لهذا الاجتماع، ما يجعلنا متفائلين بأن تُتوج أشغاله بتحقيق مقاصده وتجسيد أهدافه.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
لا شك أن الفضاءات البرلمانية المتعددة والمختلفة الْمُتاحة في إطار الدبلوماسية البرلمانية، تشكل فضاءات إضافية لتوسيع أداء البرلمانات الوطنية إقليميا وجهويا ودوليا.
لذلك يمكن القول، إن ثمة أهمية بالغة لانعقاد مثل هكذا لقاء، الذي يجمع الغرف العليا للبرلمانات الإفريقية مع نظيراتها الأوروبية، ذلك ما يشكل مبادرة إيجابية من شأنها ترقية الحوار بين مجالسنا وتطوير الأداء البرلماني والمساهمة في إيجاد حلول للتحديات المشتركة.
في هذا السياق، لا بد من التذكير بأهمية الثنائية البرلمانية كنظام سياسي حديث، ليس فقط من حيث المساهمة الفعالة في تطوير النشاط التشريعي، ولكن أيضًا وقبل كل شيء من حيث تحقيق التوازن والاستقرار لكل المؤسسات السياسية الوطنية.
في هذا الصدد، أثبتت تجربة الثنائية البرلمانية في الجزائر، على الرغم من حداثتها، أنها تجربة إيجابية ومفيدة لأنها ساهمت بشكل أساسي في ترقية الممارسة الديمقراطية، لا سيما من خلال تطوير النشاط البرلماني والتنسيق بين الغرفتين والمؤسسات الوطنية الأخرى.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
تنخرط القارة الإفريقية اليوم تحت قيادة الاتحاد الإفريقي في مشروع واسع لإعادة التأهيل الشامل سياسيا واقتصاديا، لجعل قارتنا فاعلا رئيسياً في العلاقات الدولية.في هذا السياق، ومنذ إنشاء الاتحاد الإفريقي في عام 2000، تلتزم إفريقيا التزاما تاما بضرورة بناء وتحديث الدولة، وإدامة استقرارها، وضمان أمن سكانها.بيد أن هذه المهمة ليست سهلة، لأن القارة الأفريقية ما زالت تعاني من الأزمات والصراعات وما زالت عرضة للتهديدات والتحديات غير المتماثلة مثل الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان والتطرف العنيف.
وبودي التذكير هنا، أن الجزائر عانت لسنوات عدة من آفة الإرهاب وانتصرت عليها بقدراتها الذاتية ونتيجة اعتمادها استراتيجية شاملة لا ترتكز فقط على الحلول الأمنية بل تستند أيضا على مقاربة متكاملة الأبعاد، تجمع بين الحلول السياسية والاقتصادية والإصلاحات الشاملة والتي تكرست في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.
زيادة على ذلك، تواجه إفريقيا، التحديات المتعلقة بحركات الهجرة والمشاكل البيئية بما فيها التغيرات المناخية، الأمر الذي يستوجب المزيد من التنسيق وتظافر الجهود قصد مجابهتها.
لذلك ومثلما هو معلوم لديكم جميعا، مازالت مسألة التنمية بالنسبة لإفريقيا مطروحة، باعتبارها معضلة جديرة بالتحليل المعمق والمستمر ومصنفة ضمن أولوياتها الأساسية.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
إن الحوار الأورو-الإفريقي المنشود هو الذي يجعل كأولويات تنمية المورد البشري وتوفير الاستثمارات المعززة للنمو والسلم والأمن في القارة السمراء.
من هذا المنطلق، فان العلاقات الإفريقية الأوروبية بحاجة إلى دفع حقيقي وفعالية أكبر لكل أشكال التكامل والتفاعل بين الهيئات القارية والجهوية.
وهنا بودي، التأكيد على الدور الريادي للدبلوماسية البرلمانية في تعزيز الحوار بين إفريقيا وأوروبا، وأعتبر أن اجتماعنا هذا يجب أن يساهم في تقديم مساهمة قَيمة في هذا الحوار الذي يعد ضروريًا بين البرلمانيين الأفارقة والأوروبيين، خدمة للتعاون والصداقة بين بلداننا المختلفة.
علاوة على ذلك، تحتاج العلاقات الإفريقية الأوروبية لتظافر أكبر وخلاق بين جهود القارة الإفريقية والاتحاد الأوروبي، وهو ما من شأنه أن يرفع وبشكل ملموس من قيمة ومن مردودية شراكاتنا، خدمةً للسلم والتنمية وتحقيقًا للآمَال المشتركة.
وعليه، حري بنا التذكير، أن الاهتمام بهيكلة العلاقات البرلمانية المتعددة الأطراف، قد تبلورت بالنسبة لنا كدول إفريقية، مع فكرة تأسيس رابطة لمجالس الشيوخ والمجالس المماثلة لها في إفريقيا والعالم العربي، لينعقد المؤتمر الأول التأسيسي للرابطة من 25 إلى 27 أفريل 2004، بصنعاء (اليمن).
وفي هذا الباب نقول، إن الأهمية لا تكمن في تعدد الأطر المشتركة، بقدر ما يجب أن يكون عليه دورها ضمن باقي الهيئات البرلمانية العاملة على الساحة الجهوية والقارية والدولية والتي تنتمي إليها البلدان المشاركة، لتصبح مكملة لها كفضاء إضافي يعزز العمل البرلماني، فلا يكرره عبثا أو يناقضه.
لذلك، حرصت بلادي على المرافعة دوما من أجل إقامة شراكة على أساس مبدأ التوَازن ومبدأ المسَاواة مع الشُرَكاَء من خاَرجْ القارة.
كما حرصت بلادي أيضا، على تعزيز مساهمتها في نهوض قارة إفريقية يسودها السلام والأمن، حتى يتسنى لها معالجة إشكالية التنمية و غيرها من التحديات.
ونتيجة لذلك، تعتبر الجزائر أن مسألة التنمية يستوجب إدراجها في سياق مقاربة شاملة وبينية، تتضمن أساسا التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذا مسألة ترقية وتحرر الإنسان، الذي يجب أن يكون الأساس والغرض من أي مسار تنموي ولهذا تعتبر الديمقراطية خيارًا استراتيجيًا لتعزيز الدولة الوطنية.
وفي هذا السياق، نؤكد أن الحراك الشعبي الذي تعيشه بلادنا منذ مدة والذي تميز بالطابع السلمي والحضاري لتظاهر الجزائريات والجزائريين، يُشَكِل دَلِيلاً قَوياً على حيوية الشعب الجزائري في تفاعله مع القضايا التي ترتبط بالشأن العام، كما أن الحراك سيثمر ديمقراطية حقيقية يساهم الجميع في ترسيخها وتعميقها كونها ستفضي حتماً إلى تنامي استقلالية القرار السياسي الوطني.
إن الشعب الجزائري أبان بكل وعي ومسؤولية حِرصَهُ على حماية وَطَنهِ و تُوقِهِ للرُقَي بالبلاد نحو مستقبل ديمقراطي واعدْ ومزدهرْ.
ذلك ما يجعل الحوار الشامل، وفق ما أكده، فخامة رئيس الدولة، السيد عبد القادر بن صالح، في خطابه الأخير للأمة، هو السبيل الأنسب لتحقيق تطلعات الشعب الجزائري.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
إنَّ عالمنا اليوم بحاجة ماسة إلى ترقية قيم السلم والحوار من أجل مواجهة التحديات والتهديدات الراهنة وتسوية النـزاعات القائمة بالطرق السلمية.
وفي السياق ذاته، فإن القارة الإفريقية بحاجة إلى تعميق الممارسة الديمقراطية فيها، مع ضرورة ترسيخ استقلالية القرار السياسي الذي يجب أن يَعُمَّ الممارسة السياسية بإفريقيا.
علاوة على ذلك، ينبغي على القارة الإفريقية، أن تقضي على آخر جيوب الاستعمار فيها، من خلال تمكين شعوبها في ممارسة حق تقرير مصيرها وفق ما تقتضيه الشرعية الدولية.
في الأخير نقول، إن توفير الأمن ودعم السلام وتثبيت الاستقرار وتحقيق الازدهار وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وخلق فرص مشتركة، كلها تطلعات يمكن تجسيدها عبر نهج تعاوني متوازن بين إفريقيا و أوروبا.
أشكركم على كرم الإصغاء، والسلام عليكم.