(رابط التسجيل الصوتي لكلمة رئيس مجلس الأمة)

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

- السيد الرئيس،

- أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

- أصحاب المعالي والسعادة،

- السيدات والسادة،

يطيب لي أن أتوجه باسم فخامة السيد عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجمهورية، بالتحية الحارة لتركيا، حكومة وشعبا ورئيسا على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال اللذين حضينا بهما منذ وطأت أقدامنا أرض هذا البلد الشقيق. وأنتهز هذه الفرصة للتقدم بالتهاني الأخوية الخالصة للرئيس رجب طيب أردوغان بمناسبة توليه رئاسة منظمة التعاون الإسلامي. كما أشيد بالرئاسة التركية لمنظمتنا وأهنئ جمهورية مصر العربية على الجهود المبذولة والنتائج المحققة في قيادة منظمتنا.

ولا يفوتني أن أتقدم بشكري الجزيل وامتناني، للأمين العام، الدكتور إياد أمين مدني، عرفانا لجهوده الدؤوبة التي ما فتئ يبذلها من أجل الارتقاء بالمنظمة وتعزيز دورها، خدمة لمصالح الأمة الإسلامية وتطلعاتها.

السيد الرئيس،

تنعقد هذه القمة في ظروف دقيقة تجسدها التقلبات المتسارعة التي يشهدها العالم وتعدد الأزمات وبؤر التوتر لاسيما في العالم الإسلامي والتي كانت لها آثار سلبية على أمن بلداننا والاستقرار في المنطقة،وفتحت مجالا واسعا لاستفحال المجموعات الإرهابية وتغولها وأفرزت أزمات إنسانية لم تشهد المنطقة لها مثيلاً.

كما أفضت هذه التطورات إلى ظهور رهانات جديدة وتحديات حاسمة أمام أمتنا الإسلاميةالتيأصبحت عرضة لخطر الانقسام والتدخل الأجنبي.

وفي الوقت ذاته فان هذه التهديدات تمثل حافزا لنا جميعا للأخذ بزمام المبادرة والمضي قدما لرفع التحدي عملا بشعار هذه القمة: "الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلم".

وفي هذا المضمار، فإن الجزائر إذ تعي حجم هذه الرهانات والتهديدات وانعكاساتها على الأمن والاستقرار الإقليمي قد حرصت منذ البداية على جعل حل النزاعات بالطرق السلمية أحد محاور سياستها الخارجية. كما لم تدخر جهدا من أجل مساندة القضايا العادلة في العالم والانتصار لحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي الإنعتاق من ربقة الاحتلال وهيمنة الاستعمار.

السيد الرئيس،

تنعقد هذه القمة في ظروف قاتمة بالنسبة للقضية الفلسطينية بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، الذي بات يمثل أكبر تحد للعالم الإسلامي لا وبل للمجتمع الدولي برمته. وبهذا الصدد فإننا ندين بشدة استمرار الاحتلال الإسرائيلي ومواصلة حصاره الجائر المضروب على قطاع غزة وبناء المستوطنات والتهويد الممنهج لمدينة القدس الشريف.

كما تثمن الجزائر المجهودات والمبادرات التي تقوم بها منظمة التعاون الإسلامي من أجل نصرة فلسطين ودعم نضال شعبها المقاوم، على غرار مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الخامس، المنعقد الشهر المنصرم بجاكرتاوالذي أكد على ضرورة التضامن الفعلي للدول الأعضاء مع هذه القضية ومساندة الشعب الفلسطيني حتى تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة. كما أود أن أؤكد، في هذا السياق، أن الجزائر ستظل داعمة للشعب الفلسطيني ولكفاحه المشروع،ومناصرة له في سبيل ممارسة حقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة    وعاصمتها القدس الشرقية.

ومن هذا المنطلق فإننا ندعو هذه القمة إلى اعتماد الخطوات العملية لدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة مخططات إسرائيل وإجراءاتها التعسفية ووضع الآليات لضمان تنفيذها تنفيذا فعليا.

السيد الرئيس،

تصادف هذه السنة بداية تنفيذ الخطة العشرية الجديدة للتنمية، والتي تعد بمثابة خارطة طريق للسنوات القادمة تستنير بها المنظمة من أجل تطوير ودعم العمل الإسلامي المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

وإذ ندعو إلى الاستفادة من التجربة السابقة، بنجاحاتها وإخفاقاتها، فإننا نلح على ضرورة التنفيذ المحكم لمختلف البرامج الواردة في الوثيقة الحالية وترجمتها إلى مشاريع تنموية لصالح الدول الأعضاء.

السيد الرئيس،

 لا زال الإرهاب يشكل تحديا كبيرا للمجتمع الدولي ولبلداننا بحكم انتشاره بصفة غير مسبوقة وبالنظر إلى الموارد البشرية والمادية والمالية التي أصبح يسيطر عليها وإلى الوسائل المتطورة التي بات يتبناها في عملياته الإجرامية.

وإذ ننحني بخشوع أمام ضحايا العمليات الإرهابية الإجرامية فإننا نؤكد من جديد على ضرورة التجند واليقظة المستمرة ومواصلة التعاون والتنسيق على المستويين الإقليمي والدولي لمواجهة هذه الآفة بكل الوسائل وبدون هوادة، فإننا نلح على ضرورة توخي منهجية متكاملة تكون أحد أسسها وضع برامج تأخذ بعين الاعتبار انشغالات الشباب وتعمل على إبعاده عن الفكر المتطرف. وهنا أشير إلى أن بلادي ما فتئت تدعو من مختلف المنابر وعلى مستوى كل الهيئات الإقليمية والدولية إلى بذل المزيد من الجهود لتضييق الخناق على هذه الظاهرة المقيتة من خلال سدّ كل المنافذ التي تقتات منها وتمدها بالقدرة على البقاء على غرار دفع الفدية.

والجزائر التي عانت من الإرهاب وتصدت له بقدرات ذاتية طيلة عشرية كاملة وانتصرت عليه بتضحيات شعبها وسياسات الوئام والمصالحة التي بادر بها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لم ولن تدخر جهدًا للمساهمة في إرساء منهجية متكاملة الأبعاد للتصدي الفعال والحازم لهذه الآفة...

السيد الرئيس،

لقد زادت ظاهرة الإرهاب واستفحال الجماعات المتطرفة من تفاقم الأزمات القائمة أصلا في البلدان الإسلامية كسوريا وليبيا واليمن وغيرها. فضاعفت من معاناة هذه الشعوب وعقدت الحل السياسي المنشود كما أصبحت تمثل ذريعة للتدخل العسكري الأجنبي الذي لن يزيدها إلا سوءا وتعقيدا.

نسجل بارتياح تشكيل حكومة الوفاق الوطني في ليبيا ومباشرة مهامها من العاصمة طرابلس ، وإننا ندعو كافة الأطراف الليبية إلى الاسراع في الانخراط في هذا المسعى.

إننا نسجل بارتياح انخراط الأطراف المالية الفعلي في العملية السياسية في سياق تنفيذ اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في مالي رغم محاولات الجماعات الإرهابية تعكير صفو الأجواء في هذه الربوع، كما ندعو المجتمع الدولي والبلدان الأعضاء في منظمتنا إلى مواصلة دعمها السياسي والاقتصادي للشعب المالي لمساعدته على تعزيز مؤسساته ودفع وتيرة التنمية الاقتصادية.

كما لا يسعنا إلا أن نثمن اتفاق الهدنة الساري المفعول حاليا في سوريا والذي جاء بعد خمس سنوات من الاقتتال والتناحر عصفت بهذا البلد الشقيق  فزهقت الآلاف من الرواح وشردت الملايين فيما أصبح يعرف بأكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية ودمرت أجزاءا كبيرة من البنية التحتية والاقتصاد.

وإننا نشدد على ضرورة التزام جميع الأطراف المعنية بهذه الهدنة واستمرارها بل وتحويلها إلى اتفاق وقف إطلاق النار دائم حقنا لدماء الشعب السوري الشقيق، الذي عانى الكثير، ودفعا لمسار الحل السياسي. وبهذا الصدد نعبر من جديد عن دعمنا لجهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص السيد دي مستورا، وندعو جميع الأطراف السورية المعنية إلى إبداء المرونة اللازمة والتحلي بروح المسؤولية من أجل إنجاح المفاوضات وتحقيق أمال الشعب السوري في  السلم والأمن والعدالة والعيش الكريم ، والحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها.

وحول تطورات الوضع في اليمن ، فإننا ندعو مرة أخرى الأطراف المتنازعة إلى الالتزام بمضمون اتفاق وقف إطلاق النار والانخراط في العملية السلمية المرتقبة.

السيد الرئيس،

إننا نتابع بانشغال عميق تنامي الأعمال والشعارات العدائية الموجهة ضد المسلمين لا سيما في البلدان الغربية، وذلك  بفعل جماعات وأفراد متطرفة تحركها مشاعر الحقد والكراهية وتراودها نية مبيتة للنيل من قيمنا الدينيةوالحضارية. وإننا، إذ نندد بهذه الممارسات نرفض أي محاولة لإلصاق وصمة الإرهاب بفضاء جغرافي أو حضاري أو ديني معين، لاسيما وإن الشعوب الإسلامية قد كانت ومازالت، الضحية الأولى لآفة الإرهاب.

وتود الجزائر التنويه بالجهود الدءوبة التي مافتئت منظمة التعاون الإسلامي تبذلها، لدحر حملات الإسلاموفوبيامن خلال تقديم الصورة الحقيقية لديننا الحنيف ومساهمتها في درء الفتنة  بين مكونات الدين الإسلامي وترقية حوار الحضارات والأديان.

وقد جاءت أزمة اللجوء الأخيرة نحو أوربا بما تحمله من مآسي إنسانية لتذكرنا بوضع الجاليات الإسلامية في بلدان الإقامة أو اللجوء، وما تتعرض له أحيانا من ممارسات عنصرية ومضايقات، على أن تمارس واجب الحماية والمساعدة في كنف التشاور والتعاون مع البلدان المعنية.

السيد الرئيس،

لقد استطاعت منظمة التعاون الإسلامي بفضل الإصلاحات التي باشرتها منذ ما يزيد عن العقد من الزمن، أن تضفي المزيد من الشفافية والعقلانية والنجاعة على عملها وهياكلهاوأن تحسن أدائها في مجالات عدة. فأفضت عملية الإصلاح إلى تطوير طرق عمل المنظمة وتكييف أجهزتها  مع التغيرات الحاصلة في عالم اليوم وإلى تقريبها، أكثر فأكثر، من انشغالات الدول الأعضاء ومن تطلعات شعوبها.

إن مواصلة هذا الجهد الإصلاحي الجماعي بل وتدعيمه يعد، في نظر بلادي، أهم رهانات منظمة التعاون الإسلامي في السنوات القادمة.

وفي الختام فإن الجزائر على يقين بأن للعالم الإسلامي من الإمكانيات والقدرات ما يسمح ببعث نهضة حضارية واقتصادية يكون عنوانها قيم العمل والاعتماد الفردي والجماعي على النفس، وأداتها التكوين النوعي للثروة الحقيقية والدائمة لبلداننا التي تكمن في الأجيال الصاعدة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

0
0
0
s2sdefault
diplomatie
culture
porte ouverte