- السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني،
- السيد الوزير الأول،
- السيد وزير الدولة، وزير الداخلية والجماعات المحلية،
- السيدات والسادة أعضاء الحكومة،
- السيدات والسادة أعضاء مكتب المجلس الشعبي الوطني،
- السيد الرئيس الأول للمحكمة العليا،
- السيدة رئيسة مجلس الدولة،
- أسرة الصحافة والإعلام،
- السيدات والسادة الضيوف،
- زميلاتي، زملائي ؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أيتها السيدات، أيها السادة،
أود في البداية أن أشكركم على حضوركم معنا ومشاركتكم إيانا المناسبة... مناسبة اختتام دورة الخريف العادية.
إنه موعد هام نَسْعَدُ دائمًا به كونه يتيح لنا فرصة اللقاء ويمكننا من الوقوف على محصلة الجهد المبذول خلال الدورة.
وكتقييم عام لنشاط المجلس خلال الفترة نقول : أن عمل الدورة كان في مجمله مرضيًا...
كما أن مشاريع القوانين التي تمت دراستها والمصادقة عليها كانت هي الأخرى مهمة...
وكالعادة يحتل قانون المالية مكانة مميزة في أشغال الدورة لمجلس الأمة...
وفي هذا الإطار نقول أن قانون المالية لسنة 2015 حظي باهتمام كبير من قبل أعضاء الهيئة، كونه أتى بتوجيهات هامة حددت الإطار العام لتنفيذ برنامج الحكومة المستمد من برنامج السيد رئيس الجمهورية، وضَبَط الوسائل المسخرة لمواصلة تنفيذ مخطط الاستثمار والتنمية التي تضمنها هذا البرنامج.
• وإذا كانت مناقشات قانون المالية عادة ما تشكل لحظة مميزة في عمل البرلمانيين يستغلونها عادة لنقل انشغالات مواطنيهم وطرح مشاكل دوائرهم الانتخابية، فإن نقاشات هذه السنة لم تشذ عن القاعدة. وهنا أود أن أستغل المناسبة لكي أعبر عن كبير ارتياحي لنوعية مداخلات السيدات والسادة أعضاء المجلس وروح المسؤولية التي تحلوا بها أثناء مناقشتهم لهذا النص.
وما يمكن قوله عن هذا الموضوع هو أن النص المذكور قد حافظ في توجهاته على وتيرة التنمية، وبقصد تحقيق الشفافية حرص واضعو هذا القانون على جرد جوانب الضعف قصد إصلاحها، واقترحوا بنفس الوقت صيغ تحفيزات مالية عديدة تشجيعًا للاستثمار...
• علاوة على قانون المالية، درس أعضاء مجلس الأمة وصادقوا على مجموعة مشاريع قوانين أخرى جاءت في مجملها لتواكب التحولات التي أملتها سياسات العصرنة المنتهجة وكرستها وتيرة التنمية المعتمدة...
ذلك أن السياسات التنموية مهما حاولت التكفل بمختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية للمواطن فإنها تفرز مع ذلك ظواهر تستدعي التنظيم لضمان تكيف سلس وهادئ مع مستوى التطور الذي تعرفه بلادنا في مختلف المجالات. وفي هذا السياق بالذات، تندرج دراسة مجلس الأمة ومصادقته على مشاريع القوانين التي جاءت لتنظيم جوانب أساسية في حياة المجتمع؛ بعضها يتم التكفل به لأول مرة والبعض الآخر جاء لمواكبة التغيرات التي يعرفها المجتمع الجزائري.
وهكذا، وقصد اعتماد التكنولوجيات الحديثة في التسيير بهدف التخفيف من الإجراءات البيروقراطية، فقد درس وصادق مجلس الأمة على مشروعي القانون المتعلقين بعصرنة العدالة والقانون المتضمن التصديق والتوقيع الإلكترونيين.
• وفي إطار تحيين منظومتنا التأمينية ومسايرتها لتجارب الدول المتقدمة وبعث حركية جديدة فيها، درس وصادق مجلس الأمة على مشروع القانون المعدل والمتمم للقانون المتعلق بالتأمينات الاجتماعية وكذا القانون المتعلق بالتعاضديات الاجتماعية.
• في هذه الدورة أيضا ناقش أعضاء المجلس القانون المتعلق بإنشاء صندوق النفقة الذي جاء تجسيدا للوعد الذي كان السيد رئيس الجمهورية قد قطعه على نفسه بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
أيتها السيدات، أيها السادة،
• إن الغاية من هذا القانون كما تعلمون هي حماية الأطفال القصر من الآثار السلبية الناجمة عن رفض أو عجز الوالد عن دفع مستحقات النفقة في حالة الطلاق الذي بات يعرف وتيرة مقلقة. وقد جاء هذا القانون أيضا ليسد النقائص الموجودة على صعيد قانون الأسرة بخصوص مسألة النفقة، وليتكفل بالحلقة الأضعف في حالات التفكك الأسري، ونعني بها فئة الأطفال.
• وبالنظر للأهمية القصوى التي يكتسيها القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، وبالنظر لطابعه الاستعجالي والذي فرضته التزاماتنا الدولية فقد درس وصادق مجلس الأمة بالأمس على هذا القانون حرصًا منه على أن تكون الجزائر في الموعد وتفي بالتزاماتها الدولية...
أيتها السيدات، أيها السادة،
خلال الدورة كانت هناك قوانين أخرى مبرمجة للدورة لكن ظروفًا خارجة عن نطاق إرادتنا في مجلس الأمة حالت دون دراستها، وسوف ندرسها ونحدد الموقف منها مع بداية الدورة القادمة...
زميلاتي، زملائي،
إلى جانب العمل التشريعي، عرفت الدورة نشاطا رقابيا تمثل في مساءلة الحكومة في العديد من القضايا أثناء تنظيم جلسات عامة خصصت لطرح أسئلة شفوية على العديد من القطاعات الوزارية. كما وجَّه السادة أعضاء مجلس الأمة عددًا من الأسئلة الكتابية لمختلف القطاعات الوزارية وتلقوا ردودًا عليها، وفي المجال ذاته نظمت لجان المجلس جلسات استماع لعدد من مسؤولي القطاعات الوزارية أيضا وذلك للاستفسار عن قضايا راهنة على تماس مباشر باهتمامات الرأي العام الوطني، كما كان الشأن مع جلسة الاستماع المخصصة لوزير المالية التي تناولت الوضع المالي والاقتصادي للبلاد في ظل الظروف الحالية والإجراءات الخاصة بتسيير المرحلة.
• من جهة أخرى، لم يتخلف المجلس عن نشاطه المعهود في ترقية وترسيخ الثقافة البرلمانية من خلال معالجة قضايا ذات صلة بالمجتمع. وفي هذا الإطار، نظم المجلس أثناء هذه الدورة ندوتين فكريتين نوعيتين: الأولى تاريخية، نظمت بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستون لاندلاع الثورة التحريرية، وخصصت لحياة الشهيد زيغود يوسف ودوره في الثورة التحريرية. والثانية صحية: تناولت موضوع السرطان في الجزائر والتدابير الوقائية والعلاجية لمكافحته.
• ولتأكيد حرص أعضاء المجلس الوقوف على الواقع التنموي في مختلف ولايات الوطن وتحسس انشغالات المواطنين والهيئات المحلية، عاود مجلس الأمة خرجاته الميدانية التي شملت العديد من الولايات خاصة تلك التي لَمْ يسبق له أن زارها، وفي هذه الخرجات الميدانية عاينت وفود اللجان المختصة واقع حال التنمية في هذه الولايات ووضعت خلاصات رؤيتها للقضايا المطروحة.
• في إطار الأبواب المفتوحة، استقبل مجلس الأمة، كمعلَم وكهيئة، العديد من الوفود التي قامت بزيارته.
• وعلى الصعيد الخارجي، فقد عملنا على مواصلة نشاطنا العادي عبر مختلف المستويات البرلمانية في إطار الدبلوماسية البرلمانية حيث ساهمت وفودنا المشاركة، إلى جانب وفود المجلس الشعبي الوطني، في التعريف بمواقف بلادنا من مختلف القضايا الدولية والدفاع عنها، ووضحوا لنظرائهم البرلمانيين الرؤى والمواقف الجزائرية بخصوص ما يطرح من مسائل حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية...
• وكما ترون سيداتي سادتي، فإن حصيلة عمل الدورة في جانبها التشريعي والرقابي والأنشطة المكملة لها كانت كلها نشاطات تبعث على الرضى...
• وإذا كنت قد عبرت عن ارتياحي لحجم التعاون وطبيعة التشاور بين مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني من جهة وبيننا وبين الحكومة من جهة أخرى، فإني أجد نفسي، مرة أخرى، مضطرًا إلى ضرورة لفت الانتباه إلى أهمية التجسيد العملي لما يتم الاتفاق عليه في مجال البرمجة التشريعية التي هي أهم لبنات العمل التكاملي بين هيئاتنا...
أيتها السيدات، أيها السادة،
باختتام دورتنا الخريفية هذه تكون بلادنا قد أنهت تنفيذ خطة تنموية ودخلت في أخرى...
• وإذا كانت التقلبات الاقتصادية التي عرفتها الساحة الدولية مؤخرا قد أحدثت تراجعا في الأسعار في السوق العالمية للنفط، فينبغي ألا يكون ذلك مبعث تشاؤم، وإن كان هذا الوضع الجديد يشكل انشغالا حقيقيًا نتقاسمه كلنا...
أيتها السيدات، أيها السادة،
• بقدر ما يؤكد هذا الواقع على بروز مؤشرات غير مريحة لأوضاع اقتصادية صعبة ستواجه البلاد مستقبلاً فإن ذلك يجب ألا يدفعنا إلى اليأس والقنوط بل يجب أن يحفزنا أكثر على مضاعفة الجهد من أجل الحفاظ على وتيرة التنمية ومواصلة سياساتنا الاستثمارية المتضمنة في البرنامج الخماسي المعتمد... ويدعونا في نفس الوقت إلى ترشيد إنفاقنا العام والخاص كذلك...
وفي هذا السياق، فإننا ننظر بعين الرضا إلى التدابير التي اعتمدتها الحكومة، بناء على توجيهات السيد رئيس الجمهورية، لترشيد الإنفاق العمومي، دون المساس بالاستثمارات المخصصة للقطاعات الحيوية للتنمية الاجتماعية (التربية، التكوين، الصحة، السكان... إلخ) ولضبط الواردات ومحاربة كل أشكال تهريب رؤوس الأموال. لكننا في ذات الوقت ندعو إلى إعطاء المزيد من التشجيع لصادراتنا خارج المحروقات والاستغلال الأمثل للكوامن الطبيعية المتاحة قصد تطوير وترقية اقتصاد متنوع وتنافسي.
• في هذا الإطار، بودي القول : أن المطلوب في مثل هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هو تفعيل الحوار بما من شأنه أن يوفر أجواء الثقة بين الشركاء الاجتماعيين ويحقق الانسجام الاجتماعي ويعزز الوحدة الوطنية... للوقوف صفًا واحدًا في وجه كافة التحديات التي تواجه الوطن.
أيتها السيدات، أيها السادة،
في مثل هذه الأوضاع الواجب يقتضينا مجابهة الروح الانهزامية التي راحت أطراف معروفة تسعى إلى ترسيخها في أذهان المواطنين من خلال الادعاء بأننا بلد بدون وسائل، في حين أن لشعبنا وبلدنا كل المقومات التي تسمح له ببناء بلده وتقوية اقتصاده... ويكون بلدًا قويًا ومستقرًا بفضل انسجام وفعالية مؤسساته الدستورية... وعبقرية أبنائه الذين تتوفر لديهم القدرة على إيجاد الحلول لكافة المشاكل المطروحة، واقتراح صيغ المعالجة المبدعة التي من شأنها تمكين البلد من تجاوز أوضاعه الظرفية الصعبة والانطلاق نحو المستقبل بثقة وتفاؤل...
فلنعمل على حماية وحدتنا، ولتكن تعددية رؤانا في الأمور السياسية والاقتصادية مصدر ثراء لشعبنا ومبعث دفع بالبلاد نحو الأمام وليس مصدر شد للوراء...
زميلاتي، زملائي،
بمثل هذه الروح وبمثل هذا الفهم للأوضاع يجب أن نعمل لإنجاح مشروع مراجعة الدستور، الذي نأمل أن يعرض علينا قريبًا...
... إننا نأمل (كما وعد به السيد رئيس الجمهورية) أن تكون هذه المراجعة مراجعة لخدمة الوطن لا لخدمة سلطة أو نظام. كما أننا نريد لهذه المراجعة أن تكون تعبيرًا واستجابة لطموح شعب في تكييف قانونه الأسمى ليكون متماشيًا مع تطور مجتمعه الطامح دائمًا إلى بلوغ ما هو أحسن وأفضل من بين الدساتير التي تعرفها المجتمعات الحديثة...
دستور تتعزز فيه حماية أكثر للحريات الفردية والجماعية، دستور يحدد بدقة أكبر حدود العلاقة ما بين السلطات ويعطي مزيدًا من الصلاحية للهيئة البرلمانية حتى تؤدي دورها كاملاً في صناعة قوانين الجمهورية ومراقبة عمل الحكومة... دستور يعطي الإمكانية للهيئات المنتخبة لتلعب دورها ومكانتها في الدفاع عن المواطن... دستور يكون فيه دور أبرز للمعارضة والرأي الآخر... دستور يعمل على تجذير الممارسة الديمقراطية والتعددية الحزبية بعيدًا عن أي استنساخ أو اقتباس ينقصه الذكاء ويتجاهل واقع الخصوصية الوطنية.
أيتها السيدات، أيها السادة،
لقد أبقى فخامة السيد الرئيس الباب مفتوحا لكل راغب من الفاعلين السياسيين للمساهمة في هذه المراجعة الدستورية رغبة منه في إشراك الجميع فيها بعيدًا عن كل تسرع غير مبرر أو تقليد يطبعه الارتجال وينقصه الذكاء...
وإننا في مجلس الأمة لنبدي ارتياحنا لهذا التوجه والمسعى ونضع أنفسنا كمؤسسة وأعضاء للمساهمة في خدمة وإنجاح مسار هذه المراجعة الدستورية التي من مدة دُعينا لها.
أيتها السيدات، أيها السادة،
ونحن نهنئ أنفسنا بما تحقق ولا زال يتحقق لبلادنا بفضل السياسات الحكيمة التي انتهجتها البلاد تحت قيادة فخامة رئيس الجمهورية والتي طالت جميع مناحي الحياة... إلاَّ أننا نعرف كذلك أنه بين الحين والآخر تبرز بعض مظاهر التوتر تعمل الحكومة على التعاطي معها بحكمة وروية...
• وبقصد تفادي تكرارها نرى أنه من الضروري اتخاذ الإجراءات الاستباقية المطلوبة ومن خلال التجاوب مع المعقول من المطالب التي تطرح هنا وهناك والتي تستدعي من الوصاية دراستها وإعطائها العناية المطلوبة...
وإننا نعتقد أن ما قامت به الدولة من إجراءات شجاعة في إطار التجاوب مع مطالب سكان الجنوب لدليل على أن الدولة تتحسس مطالب أبنائها أين كان موقع إقامتهم، وتعمل على توفير الحلول لها، وهي تعمل على مضاعفة قدراتها على الاستماع من خلال توسيع قنوات الحوار والتواصل مع مختلف الشرائح الاجتماعية النظامية...
أيتها السيدات، أيها السادة،
كما تابعتم، فقد عرفت الجزائر في الآونة الأخيرة حركية دبلوماسية نشيطة تمثلت في استقبال بلادنا للعديد من رؤساء البلدان الصديقة والشقيقة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عودة الجزائر القوية إلى الساحة الدولية واستئنافها نشاطها في تقديم الرأي وبذل الجهد وتقوية علاقات الصداقة والتعاون مع مختلف البلدان إن على الصعيد الإقليمي أو الدولي...
• وبتكريس هذه الحركية تكون الجزائر وبشهادة الجميع قد استعادت مكانتها في المحافل الدولية وأثبتت أنها أهل للثقة التي توضع فيها وأن مواقفها وتوجهاتها من مختلف القضايا الجهوية، الإقليمية والدولية وتصديرها لثقافة السلم والحوار، هي التي أهَّلتها لأن تكون شريكًا أساسيًا في الساحة الإقليمية والدولية..
في نهاية كلمتي، بودي أن أشكر الجميع على الحضور والمشاركة، ولزملائي أقول إلى اللقاء في الدورة الربيعية القادمة والتي ستكون تأكيدًا ثرية بمضمون جدول أعمالها وبنشاطاتها...
شكرًا لكم جميعًا،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
* * *
مراسيم الاختتام